فصل: 276- باب النهي عن الغش والخداع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.272- باب النهي عن سوء الظنّ بالمسلمين من غير ضرورة:

قال الشارح: وقوله: «من غير ضرورة». مُخْرج لما أن دعت إليه كأن وقف مواقف التهم، أو بدا عليه علامة الريب.
قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ} [الحجرات: 12].
قال ابن كثير: يقول تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن كثير من الظنّ، وهو التهمة، والتخون للأهل، والأقارب، والناس، في غير محله؛ لأنَّ بعض ذلك يكون إثمًا محضًا، فليجتنب كثيرًا منه احتياطًا. وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ولا تظنَّنَّ بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرًا، وأنت تجد لها في الخير محملًا.
وقال سفيان الثوري: الظنُّ ظنَّان: أحدهم إثم، وهو أن تظن وتتكلم به، والآخر ليس بإِثم، وهو أن تظن ولا تتكلم.
1573- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَدِيثِ». متفق عَلَيْهِ.
قال الحافظ: المراد ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به، وكذا ما يقع في القلب من غير دليل.

.273- باب تحريم احتقار المسلمين:

قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَومٍ عَسَى أنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيْمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].
وقال تَعَالَى: {وَيلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لمزَةٍ} [الهمزة: 1].
قال ابن كثير: ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الكبر بَطَرُ الحق، وغمص الناس». ويُروى: «وغمط الناس». والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتَقَر أعظم قَدْرًا عند الله تعالى، وأحب إليه من الساخر منه- المحتقر له-. ولهذا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَومٍ عَسَى أنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ}، فنص على نهي الرجال، وعطف بنهي النساء.
وقوله تبارك وتعالى: {وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ}، أي: لا تلمزوا الناس. والهمّاز اللمّاز من الرجال مذموم ملعون. كما قال تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}، والهمز بالفعل، واللمز بالقول. كما قال تعالى: {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ} [القلم: 11]، أي: يحتقر الناس ويهمزهم طاغيًا عليهم، ويمشي بينهم بالنميمة. وهي اللمز بالمقال.
وقوله تعالى: {وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} [الحجرات: 11]، أي: لا تداعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخص سماعها.
وعن أبي جبيرة بن الضحاك قال: فينا نزلت في بني سلمة: {وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ}، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فكان إذا دعا أحدًا منهم باسم من تلك الأسماء قالوا: يَا رسول الله، إنه يغضب من هذا. فنزلت: {وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ}. رواه أحمد. انتهى ملخصًا.
وقال عكرمة: هو قول الرجل للرجل يَا فاسق. يَا منافق. يَا كافر.
وقال الحسن: كان اليهودي والنصراني يُسْلم فيقال له بعد إسلامه: يَا يهودي. يَا نصراني. فنهوا عن ذلك.
وقال عطاء: هو أن تقول لأخيك: يا كلب، يا حمار، يا خنزير.
ورُوي عن ابن عباس قال: التنابز بالألقاب، أنْ يكون الرجل عمل السيئات، ثم تاب عنها، فنهي أنْ يعيّر بما سلف من عمله.
{بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ}، أي: بئس الاسم أنْ يقول له يَا يهودي، أو يَا فاسق، بعدما آمن وتاب.
وقيل: معناه أنَّ من فعل ما نهي عنه من السُّخرية، واللمز، والنبز، فهو فاسق. وبئس الاسم الفسوق بعد الإِيمان فلا تفعلوا ذلك، فتستحقوا اسم الفسوق، ومن لم يتب من ذلك فأولئك هم الظالمون.
1574- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ». رواه مسلم، وَقَدْ سبق قريبًا بطوله.
قال الشارح: «بحسب»، أي: كافي، «امرئٍ»، أي: إنسان، «من الشر أن يحقر أخاه المسلم»، أي: وذلك لعظمه في الشر، كافٍ له عن اكتساب آخر، ولا يخفى ما فيه من فظاعة هذا الذنب، والنداء عليه بأنه غريق في الشر، حتى إنه لشدته فيه يكفي من تلبس به عن غيره.
1575- وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ!» فَقَالَ رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنةً، فَقَالَ: «إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ، الكِبْرُ: بَطَرُ الحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ». رواه مسلم.
ومعنى «بَطَرُ الحَقِّ» دَفْعُه، «وغَمْطُهُمْ»: احْتِقَارُهُمْ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ أوْضَحَ مِنْ هَذَا في باب الكِبْرِ.
في هذا الحديث: وعيد شديد للمتكبرين.
وفيه: أن التجمل إذا لم يكن على وجه الخيلاء غير مذموم بل مستحب.
1576- وعن جُندب بن عبدِ الله رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ رَجُلٌ: وَاللهِ لاَ يَغْفِرُ اللهُ لِفُلانٍ، فَقَالَ اللهُ- عز وجل: مَنْ ذا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لاَ أغْفِرَ لِفُلانٍ! إنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: التحذير من احتقار أحد من المسلمين، وإن من كان الرعاع، فإن الله تعالى أخفى سره في عباده.

.274- باب النهي عن إظهار الشماتة بِالمُسْلِم:

قَالَ الله تَعَالَى: {إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
أي: وشأن الأُخوة أن يتحرك الأخ لما يلحق أخاه من الضرر.
وقال تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ} [النور: 19].
هذه الآية نزلت في عبد الله بن أُبَيّ وأصحابه المنافقين، الذين قذفوا عائشة رضي الله عنها وهي بريئة، وهي عامة في جميع المؤمنين.
وعن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تؤذوا عباد الله، ولا تعيِّروهم، ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته».
1577- وعَن وَائِلَةَ بن الأسقع رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ اللهُ وَيَبْتَلِيكَ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
فيه: النهي عن إظهار الشماتة بما نزل بأخيه المسلم، بل شأن المؤمن التألم بما يتألم منه أخوه، والفرح بما يفرح به.
وفي الباب حديث أَبي هريرة السابق في باب التَّجسُّس: «كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ …» الحديث.
أي: فدخل فيه ذلك لما فيه من التعرض لإِيذائه، والتوصل إلى القدح في عرضه.

.275- باب تحريم الطعن في الأنساب الثابتة في ظاهر الشرع:

قَالَ الله تَعَالَى: {والَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتانًا وإثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58].
قال الشارح: ولا شبهة في أنَّ الطعن في النسب من أعظم أنواع الأذى، فالآية تشمله شمولًا بيِّنًا.
1578- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اثْنَتَان في النَّاسِ هُمَا بهم كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى المَيِّتِ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: وعيد شديد.
وفيه: تغليظ تحريم النياحة، وتحريم الطعن في النسب.

.276- باب النهي عن الغش والخداع:

قَالَ الله تَعَالَى: {والَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتانًا وإثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58].
أي: ومن أشد الإِيذاء الغش، لما فيه من تزيين غير المصلحة والخديعة، لما فيها من إيصال الشر إليه من غير علمه.
1579- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا». رواه مسلم.
وفي رواية لَهُ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أصابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: «مَا هذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ: أصَابَتهُ السَّمَاءُ يَا رسول الله. قَالَ: «أفَلا جَعَلْتَهُ فَوقَ الطَّعَامِ حَتَّى يرَاهُ النَّاسُ! مَنْ غشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا».
في هذا الحديث: وعيد شديد على من بغى على المسلمين وخرج عن جماعتهم وبيعتهم.
وفيه أيضًا: وعيد شديد لمن غشهم. ومن الغش خلط الجيد بالرديء، ومزج اللبن بالماء، وترويج النقد الزغل.
وفي حديث ابن مسعود: «والمكر والخداع في النار».
1580- وعنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا تَنَاجَشُوا». متفق عَلَيْهِ.
1581- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نَهى عن النَّجْشِ. متفق عَلَيْهِ.
فيه: دليل على تحريم النجش، وهو أن يسوم السلعة بأكثر ثمنها، وليس قصده أن يشتريها بل يريد أن يضر غيره.
1582- وعنه قَالَ: ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّهُ يُخْدَعُ في البُيُوعِ؟ فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَايَعْتَ، فَقُلْ: لا خِلاَبَةَ». متفق عَلَيْهِ.
«الخِلاَبَةُ» بخاءٍ معجمةٍ مكسورةٍ وباءٍ موحدة، وهي: الخديعة.
الحديث: دليل على ثبوت خيار الغبن إذا اشترط ذلك. وزاد الدارقطني والبيهقي: «ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال، فإن رضيتها فأمسك»، فبقي حتى أدرك زمن عثمان، فكان إذا اشترى شيئًا فقيل له: إنك غبنت فيه، رجع فيشهد له الرجل من الصحابة، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد جعله بالخيار ثلاثًا فيرد له دراهمه.
1583- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ، أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا». رواهُ أَبُو داود.
«خَبب» بخاءٍ معجمة، ثُمَّ باءٍ موحدة مكررة: أيْ أفْسده وخدعه.
فيه: تحريم التخبيب، وهو إفساد المرأة على زوجها، فيقع بينهما الشقاق والتنافر، وكذا المملوك؛ لأن من شأن المؤمنين التعاون والتناصر على الحق، وهذا بخلافه.